Le temps de lecture est d'environ minutes.
صرخ "حسونة" جزار الحي في السوق :
"اللحم الطري ، أفضل لحم في المدينة هنا ، عند كركر"
"إقتربوا ، هنا اللحم الأبيض والأحمر المتوسط ، إقتربوا ".
تفقد الحريف بتردد وقد كان يعد النقود التي بجيبه وطلب منه كلغ من لحم البقر. فأخذ سكينه الحاد وإقتطع جزئا من الثور المذبوح ، وقطعها قطا صغيرة ووضعها في الورق المقوى ثم رمى به في الميزان بقوة وقال له : "مبروك لك ، سيكون غداءا لذيذا إن شاء الله ، تذوق وتفكرني."
دفع الحريف بحزن ما في جيبه من النقود وإبتعد مسرعا ، ونظر إليه حسونة بسخرية لأنه إبتاعه أقل من الكمية التي طلبها وإحتال عليه في الميزان. كان هذا عمله الدؤوب ، يحتال على الحرفاء ويقترض من أصدقائه ثم يتبجح بعدم قدرته على التسديد. كان شهيرا في الحي بذلك ، لكنهم كانوا يحتملونه للسانه الحلو الذي يقدر به أن يأخذ ما يريد من أي كان. كان بارعا في الكلام والتمثيل على حد السواء.
أوشك حسونة على أن يبيع مجمل ما عنده اليوم ولكنه أبصر من بعيد عفيف رئيس حزب المعارضة أو هكذا كان يسميه. طلب منه لحم ظأن من الطراز الرفيع ليقوم بمأدبة عشاء في منزله كآخر أيام الأسبوع ، فأعطاه حسونة ما يريد ووفه الميزان لأنه حريف مهم حسب ظنه.
طلب عفيف من حسونة مقابلته اليوم في مقهى الحي على الساعة السادسة مساءا بمقهى الوفاء لأنه يحمل له أخبارا سارة. فبرقت عينا حسونة وتفطن إلى أن الأمر مهم للغاية سواءا لعفيف أو له ، وإستبشر خيرا ووعده بالمجيء.
وصل حسونة المقهى قبل خمس دقائق ، وطلب من النادل كأس شاي أخضر وتابع على التلفزيون العملاق مباراة كرة قدم دولية ، ومرت الدقائق تباعا ولم يأت عفيف ، وطلب كأس شاي ثانية ثم ثالثة ، وإستشاط غيظا وأقسم أنه سينتقم منه يوما. وحالما قرر الخروج من المقهى ، رأى عفيف قادما في بدلة فاخرة تساوي مئات الدنانير فرجع إلى كرسيه وإبتسم له كأن شيئا لم يكن.
ربت عفيف على كتف حسونة وحياه وأخبره أنه ليس بحوزته وقت كثير. أخبره أنه بصدد إعداد القوائم لترشيح نفسه وزمرة من أعضاء حزبه للإنتخابات البرلمانية وأن المرشح لهذه الإنتخابات عن المدينة لن يقدر على ذلك ولم يشرح له الموضوع, وأنه سيترشح عن دائرة العاصمة.
وإقترح على حسونة أن ينضم سريعا للحزب لكي يقوم بالإجراءات المطلوبة ، وقبل أن ينبس حسونة ببنت شفة ، أعطى له عفيف كرتا فيه رقم هاتفه الجوال وطلب منه أن يفكر, ,أفاد أنه سيوافيه غدا بإجابته النهائية ثم إبتسم له وخرج مسرعا وقال له أن شيئا مهما جدا في إنتظاره.
بقي حسونة في المقهى وعيناه تبرقان من الغبطة والفرح. ,أخيرا سيصبح حسونة شبه الأمي شخصا مهما في هذه المدينة الصغيرة ولما لا في الجمهورية كلها. ولكن خواطر متضادة أخذت تتراطم بخاطره البسيط. كيف له أن يصبح نائبا في البرلمان وهو الذي لم يتجاوز تعليمه السنوات الأولى من التعليم الإبتدائي. وهو يقرأ بصعوبة الجرائد والوثائق الرسمية ولا يقدر إلا على الحساب الذهني.
كيف له أن يفهم مشاريع القوانين واللوائح والكم الهائل من هذه الوثائق ؟ كيف له أن يناقش النواب الآخرين في المسائل القانونية والإجتماعية . كيف له أن يتحدث إلى الأجانب القادمين من الأمصار البعيدة أو حتى المحاذية لوطنه ؟ أحس حسونة بالقنوت وبنفحة من اليأس ...
Comments est propulsé par CComment