Reading time is around minutes.
أجول في حدائق الكتب ، وأتنسم عبير الحكمة والشاعرية وأجول من سطر إلى سطر. وأسافر من زمن إلى آخر في طرفة عين فيخصب خيالي بالأفكار والمواقف في نظام منطقي متناسق تحذوه الدهشة حينا واللذة أحيانا. وأحسب نفسي تائها في هواجس الوجودية فأغرق في طوفان الشهوة ثم أطفو بنور الفكر وأبقى الليالي الطوال أتأمل النجوم وبريقها وكأنها تناجي القمر وتستمع إلى أعذب أحاديثه.
وأعيد النظر إلى السماء تارة ثم أسقط ناظري إلى حاضري في هذه الأرض تارة أخرى وكأنني أنتظر إجابات عدة عن أسئلة تحيرني أو أشتاق إلى حبيب أغرقني غرامه في الهواجس إلى حد الهوس.
ثم أضحك على ما قمت به لغرابته وندره وأنا أعيش عالما لا يقدر فيه المرء على التأمل والتفكير الطويل. فالمرء فينا لا يكاد يفرغ من حاجة يقضيها حتى يجد نفسه منغمسا في شيء آخر ، سواءاإختارها هو أو إختارها لها غيره دون أن يتوقف ولو لبرهة فيحدد وجهته أو ينظر أين وإلى أين يسير. وإن فعل وجد الوقت كالحسام قطعه وأجهز على مصيره.
فالإنسان في هذا العصر ، لا يقدر على التأمل ، ولا الحب ، ولا العطاء. كل هذه المعاني تلفت ، وأفرغت الكلمات من معانيها وأصبح الإنسان يقرأها في كتب الأدب القديم وروايات القرون السابقة كالمتجول في المتاحف ينظر إلى تحفة في قفص زجاجي مجهز بأحدث تقنيات الحراسة ، يمعن فيها لغرابتها ويعجب كيف كان الأولون ويرى نفسه على صواب والأولون على خطأ.
هكذا صارت المثل والصفات النبيلة. وصار النبل والطيبة عاهة إجتماعية تجعل أصحابها محل سخرية وإستهزاء أو عزلة وتعرضهم لمخاطر الإضطهاد. كما أصبح الحب أسطورة وحكرا على بائعي الحكايات وناسجي الخيال. وأخذت مكانه الحاجة والراحة والشهوة بعد أن إغتالت وزراءه وأعضاد سلطانه, فقتلت الشجاعة ، سممت الصراحة ، وقصف الجمال والشاعرية وكمم الحق بوثاق يصعب حله ودفنته حيا في سراديب الجهالة.
Comments powered by CComment